الأربعاء، 15 أغسطس 2012

الكاتب سعيد الهاشمي وزيارته للمعتقلين

سجان يخاف من كلمة

للتو رجعت من سجن سمائل المركزي، بعد يوم طويل ومجهد، ارهقتني فيه الطوابير البشرية الممتدة لأهالي السجناء وهم يسعون بجد وصبر وأمل لايصال حاجيات بسيطة لأحبابهم داخل السجن علها تدخل بعض من سرور شارد بالعيد. ذهبت لأطمئن على رفقانا الذين ما زالوا هناك، وما زالت قلوبنا ملعقة معهم، طبعاً منعت من زيارتهم لأني لست متصلا بهم بصلة قرابة، ورغم محاولاتي لإقناع الشرطة بأن الرابطة التي تصلني به
م وهي رابطة "المواطنة" وهي أكثر قدسية وأقرب روحاً وأدوم بقاءً، فقد خرجت خاسراً مدحوراً من هذه الجولة. الجولة الثانية كانت في ادخال بعض الفواكهه لهم، فبعد الوقوف في طابور امتد من الساعة التاسعة والنصف وحتى الثانية عشر والنصف ظهراً يفاجئني الشرطي بأن صناديق الفواكه ممنوعة وعليك ان تضع البعض فقط من محتوياتها في أكياس. وعندما
اجبته بأن: العدد كبير في الزنزانة وحتى هذه الكمية لا تكفي لهم، وفق معايشتي للحالة،
قاطعني الشرطي وهو يقلب سجله المتضخم بالاسماء: جميع الاسماء التي ذكرتها قد تم ادخال هدايا لهم من قبل اهلهم ولا يحق لهم استقبال المزيد إلا بعد اسبوعين، أو تعال في العيد. وبعد أخذ ورد ورجاوي،بحثنا عن اسم تناسوه اهله إلى حين، فوجدناه كلقية ثمينة تعادل ثمن الوقفة الطويلة، فما كان من الشرطي إلا أن أردف: تراك ستؤثر على أهله إذا احضروا له شيئا.
أجبت وأنا أمسك بآخر قطرة صبر: يا أخي أي زيارة وأي هدية ستأتيه ونحن على نهاية اليوم؟
وبعد نقاش لم يكن باليسير اقتنع الشرطي الكريم بإدخال المتيسر من هذه"الزوارة"
الاكثر امتاعا وسخرية حدث بعد ذلك. كنت قد احضرت رواية الكاتب والروائي العزيز محمد عيد العريمي "حز القيد" وذلك بناءً على طلب احد الشباب عند وداعي له مطلع هذا الاسبوع ليقتل بها الوقت وليستمتع بقرائتها بعدما سمعنا نتحدث عنها ذات ليلة في صالون القراءة الذي كانت مجرياته تضيء عتمات الزنزانة.
سلمت الكتاب للشرطي الذي بدى لي لا علاقة له بهذا العالم، تصفحه سريعاً، وبدأ يقرأ بشكل عشوائي بعض من صفحاته وهو يسأل
عن إيش هذا الكتاب؟
اجبته: قصة عادية كتبها كاتب عماني، وانتم تسمحون وفق لوائحكم بالمجلات والكتب العمانية بالاضافة الى مجلة ماجد وباسم والكتب الدينية أليس كذلك؟
وفجأة، شهق شهقة المبلول بالماء البارد، وتغير لونه، وتلبددت كل غيوم الكون على جبهته وصرخ: قصة عادية هااااااااا؟ومو مكتوب هناااااا، وبدء يقرأ بصوت عالِ إضاءة الصديق العزيز ناصر صالح والتي استفتح بها محمد عيد روايته" لا يبدأ السجن بالدخول إليه، ولا ينتهي بالخروج منه، لأن السجن أوسع من مكان ناء في أطراف الصحراء، وأكبر من جلادين يتلذذون بتعذيب البشر وإذلالهم، إنه حالة الخوف والشلل إزاء فكرة السجن"
أنت تظن انه ما فيني عقل، تريد تورطني، هذا كتاب سياسي خطيييييير، تريد تفسد عقول بو داخل السجن، الله يهديك بعدك ما تبت.
حاولت اقناعه بأنها رواية وليست كتاب سياسي وأن...
الشرطي مقاطعاً: سير اضحك على واحد غيري أنا، أنا فاهم وعاقل، ولو تمشيني أنته ماشفتني هنا، خذ كتابك قبل ما اناديلك الحراسات
وخرجت بالكتاب الصغير محتضناً إياه وهو خائف يرتعد كعصفور من زمجرة الشرطي الضخم. وصوت في داخلي يردد: ما أخطرك أيتها الكلمة..و ما أضعفك أيها المستبد.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق